
في مدرسة الفنون القتالية لكرة القدم، يبرز ريال مدريد كأستاذ لا يُضاهى في صناعة الانتصارات من رحم المواقف الحرجة. هذه الحكمة تكرّست مجدداً في مواجهة بوروسيا دورتموند، حيث نسج الفريق الملكي ملحمته من خيطين ذهبيين: هدف كيليان مبابي الاستثنائي في الدقيقة 93، وتصدية تيبو كورتوا المصيرية لركلة الجزاء بعد دقيقتين فقط.
مبابي.. مقصية تُجسّد عبقرية المُنقذين
في لحظة بدت وكأنها مُستقاة من سيناريو هوليودي، قفز النجم الفرنسي - الذي لا يزال يعاني من آثار التهاب معوي أفقده 5 كيلوغرامات - في الهواء ليُحوّل عرضية أردا غولر إلى تحفة فنية. الحركة الذكية نحو القائم البعيد، المناورة الخاطفة لمدافع دورتموند يان كوتو، والتسديدة الخلفية الدقيقة التي اخترقت الزاوية اليمنى.. كلها تفاصيل نسجت معاً هدفاً يُدرس في أكاديميات فنون الهجوم.
اللافت أن مبابي - الذي أهدى هدفه لروح زميله الراحل ديوغو جوتا - كشف لاحقاً عبر إنستغرام عن معاناته الصحية: "طريقة جيدة لأُظهر أنني أصبحت بخير الآن". مصادر النادي أكدت أن تشابي ألونسو تعامل بحكمة مع حالة نجمه، مفضلاً الحفاظ على طاقته للمواجهات الحاسمة بدلاً من المجازفة بلياقته غير الكاملة.
كورتوا.. سدٌ منيع أمام طوفان دورتموند
لم يمضِ 90 ثانية على هدف مبابي، حتى وجد الحارس البلجيكي نفسه وجهاً لوجه مع قدره. ركلة جزاء نفذها مارسيل سابيتسر في الدقيقة 95 كانت كفيلة بإجبار الأشواط الإضافية، لكن "العملاق" الذي يبلغ طوله 199 سم كان له رأي آخر.
بتركيز يشبه اليوجا وقفزة تُحاكي الأساطير، حوّل كورتوا التسديدة القوية بيده اليمنى قبل أن يحتضن الكرة في مشهد أثار ذكريات تصديه التاريخي أمام ساديو ماني في نهائي 2022. "هذا هو عملي".. بهذه العبارة البسيطة علّق الحارس ذو الـ33 عاماً على لحظته الأسطورية، بينما هرع جود بيلينغهام من مقاعد البدلاء لاحتضان منقذ الفريق.
حكمة مدريدية تتجاوز الموهبة
ما حدث في تلك الدقائق الأخيرة لم يكن مجرد صدفة، بل نتاج ثقافة مؤسسية تُكرّس لفن إدارة اللحظات الحاسمة. المدرب ألونسو عبر عن هذه الفلسفة بقوله: "كم نحن محظوظون بوجود تيبو! هو من نوعية الحراس الذين يمنحونك الفوز".
حتى نيكو كوفاتش مدرب دورتموند اعترف بضلوع فريقه: "لهذا السبب هو أفضل حارس في العالم. الفوز كان مستحقاً لريال مدريد". هذه الشهادة تعكس الحكمة الكامنة وراء نجاحات الفريق الملكي - الموهبة الفردية تصنع اللحظة، لكن الثقافة الجماعية هي التي تضمن تحويلها إلى بطولة.
بين مقصية مبابي التي تُذكّر بأفضل أهداف كريستيانو رونالدو، وتصدية كورتوا التي تعيد للأذهان بطولات إيكر كاسياس، كتب ريال مدريد فصلاً جديداً في سفر الأندية التي تُتقن فن صناعة المعجزات عندما تُعلن الأجراس دقائق الحسم الأخيرة.