
عندما يتقاطع مسارا الهلال السعودي وفلومينينسي البرازيلي على ملعب ربع نهائي كأس العالم للأندية، لن يكون اللقاء مجرد مواجهة عابرة، بل حكاية امتدت جذورها عبر عقود من الزمن، نسج خيوطها مجموعة من أبرع اللاعبين البرازيليين الذين ارتدوا قميص الفريقين. هذه القصة تبدأ مع أسطورة كرة القدم العالمية روبيرتو ريفيلينو، الذي مثل نقطة التحول في تاريخ الكرة السعودية عندما وقع مع الهلال عام 1978 في واحدة من أضخم الصفقات العالمية آنذاك.
"الشنب" ريفيلينو، بطل كأس العالم 1970، لم يأتِ إلى الرياض حاملاً مجد الماضي فقط، بل صنع حاضراً جديداً للهلال، حيث قاد الفريق للفوز بلقبين للدوري وكأس الملك خلال ثلاث سنوات، وأسس لمرحلة ذهبية في كرة القدم السعودية. بصماته الفنية غيرت مفهوم اللعبة في المملكة، وجعلت من انتقاله علامة فارقة في تاريخ الانتقالات الآسيوية.
بعد ربع قرن من مغادرة ريفيلينو، جاء "المجنون" سيرجيو ريكاردو حاملاً معه الشغب البرازيلي الممزوج بالعبقرية. هذا اللاعب الذي ترعرع في فلومينينسي، كتب أسطورته الشخصية مع الهلال عندما سجل هاتريكاً تاريخياً في مرمى جوبيلو إيواتا الياباني، محققاً لقب آسيا عام 2000. أدائه المتفجر جعله أيقونة لا تنسى في ذاكرة الجماهير الزرقاء.
لم تكن الرحلات البرازيلية إلى الهلال متشابهة، فبينما أضاء ريكاردو سماء آسيا، جاء روني البرازيلي محملاً بذكريات مريرة لمنتخب السعودية، بعدما كان أحد مهندسي الانتصار البرازيلي الشهير في كأس القارات 1999. لكن تجربته مع الهلال مرت بسرعة البرق، تاركة وراءها أكثر من سؤال حول ما كان يمكن أن يقدمه لو استمر.
التجربة البرازيلية مع الهلال شهدت أيضاً فصولاً أخرى، مثل واندرلي "صوماليا" الذي فشل في ترك بصمة، وتياغو نيفيز الذي توج بلقب الدوري السعودي، وديغاو المدافع الصلب الذي قضى ثلاث مواسم ناجحة، وصولاً إلى كارلوس إدواردو، آخر العمالقة البرازيليين الذين قدموا عروضاً أسطورية مع الفريق الأزرق بين 2015 و2020.
هذه السلسلة من الأسماء البرازيلية اللامعة لم تكن مجرد انتقالات عابرة، بل كانت جسوراً ثقافية ربطت بين مدرستين كرويتين، ورسخت تقليداً من التبادل الفني بين السعودية والبرازيل. اليوم، عندما يواجه الهلال فلومينينسي، فإنه لا يواجه خصماً عادياً، بل يواجه جزءاً من تاريخه، تاريخ كتبه أولئك البرازيليون الذين جعلوا من الرياض وريو دي جانيرو بيتاً ثانياً لهم.
هذا الإرث المشترك يضفي على المواجهة القادمة بعداً عاطفياً خاصاً، ويذكرنا بأن كرة القدم ليست مجرد مباريات وألقاب، بل هي أيضاً قصص إنسانية تترابط عبر القارات والثقافات، تاركةً وراءها إرثاً لا يمحى في ذاكرة الجماهير التي عاشت تلك اللحظات.